هل حجر إسماعيل جزء من الكعبة أم لا ؟و لماذا لم يتم بنائه ليكون جزء منها ؟بالدليل
بقلم - د اسامه دويدار
الجميع يشاهد الكعبة الشريفة بشكلها الحالي مربع الشكل تقريبا فهل هذا هو الشكل الذي كان عليه البناء عندما بناها إبراهيم عليه السلام و ابنه إسماعيل عليه السلام ؟.
بقيت الكعبة على حالها إلى أن أعيد بناؤها على يد قريش في الجاهلية، وذلك بعد عام الفيل بحوالي ثلاثين عاماً، إذ حدث حريق كبير بالكعبة، وضعف البناء، ثم جاء سيل حطم أجزاء الكعبة، فأعادت قريش بناءها، واتفقوا أن لا يُدخلوا في بنائها إلا مالا طيباً فقصرت بهم النفقة فأخرجوا من جهة الحجر ثلاثة أمتار؛ و رفعوا الباب من مستوى المطاف ليدخل الكعبة من أرادوه وسدوا الباب الخلفي المقابل لهذا الباب ، وقد حضره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان يبلغ من العمر حينها 35 سنة وشارك بنفسه في العمل، [ ولما أرادت قريش في هذا البناء أن ترفع الحجر الأسود لتضعه في مكانه اختصمت بطون قريش فيما بينها، حتى كادت تقع بينهم الحرب، ثم اصطلحوا على أن يحكم بينهم أول رجل يخرج عليهم من هذه السكة، فكان رسول الله أول من خرج فقضى بينهم أن يجعلوا الحجر الأسود في مرط (أي كساء) ثم يرفعه زعماء القبائل فرفعوه ثم ارتقى النبي فوضعه بيده الشريفة مكانه، فحل بذلك المشكلة التي كادت تسبب حروباً بين قبائل قريش (الروض الأنف، السهيلي، دار الفكر، بيروت، 1409هـ/ 1989م، ج1، ص221) (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1410هـ/ 1990م، ج1، ص192) (مروج الذهب، المسعودي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1406هـ/ 1986م، ج2، ص295.) .
و في حديث مشهور للسيدة عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحجر أمن البيت هو؟ قال نعم، قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال إن قومك قصرت بهم النفقة، قلت فما شأن بابه مرتفعا؟ قال فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الحجر في البيت وأن ألصق بابه الأرض. (متفق عليه).
وفي رواية للإمام مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ قالت فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت.
وترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبنائها كما كانت يدل على أن بناءها على ما كانت ليس واجبا، كما قال ابن حجر في الفتح.
وقد بناها ابن الزبير ـ رضي الله عنه ـ بعد ذلك على ما هم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما في صحيح مسلم عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام فكان من أمره ما كان تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرئهم - أو يحربهم - على أهل الشام، فلما صدر الناس قال يا أيها الناس أشيروا علي في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها؟ أو أصلح ما وهى منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها أرى أن تصلح ما وهي منها وتدع بيتا أسلم الناس عليه وأحجارا أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال ابن الزبير لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يُجدَّه فكيف بيت ربكم؟ إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء حتى صعده رجل فألقى منه حجارة فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه، وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما يقوى على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع ولجعلت لها بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه ـ قال فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس - قال - فزاد فيه خمس أذرع من الحجر حتى أبدى أساس نظر الناس إليه فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع وجعل له بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه، فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة فكتب إليه عبد الملك إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه.
ثم إن عبد الملك صح له حديث عائشة فندم على ما فعل، كما في صحيح مسلم عن أبي قزعة: أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول سمعتها تقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر فإن قومك قصروا في البناء ـ فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، قال لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير.
هذا يدل أن الكعبة كان شكلها مستطيلا و ليس مربعا و كانت غرفتين لضمها حجر إسماعيل داخل بناء الكعبة كما بناها إبراهيم عليه السلام و أعاد بن الزبير بنائها على ما كانت عليه و رغب فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن الحجاج بن يوسف بناها على بناية قريش جهلا منه لحديث النبي صلى الله عليه و آله وسلم .
وفي عهد العباسيين أراد المهدي أن يبنيها على ما بناها ابن الزبير فاستشار الإمام مالك بن أنس فنهاه عن ذلك، كما قال ابن كثير في البداية والنهاية: وقد همّ ابن المنصور المهدي أن يعيدها على ما بناها ابن الزبير واستشار الإمام مالك بن أنس في ذلك فقال: إني أكره أن يتخذها الخلفاء لعبة، هذا يرى رأي ابن الزبير، وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان، وهذا يرى رأياً آخر.